12:56 م
الأربعاء 14 أبريل 2021
بقلم فاطمة عبد الفتاح
في احدى المشاورات في النيل الازرق كانت تجلس سيدة باهر سواد بشرتها و فيه لمعة أخاذة..تعرفين من حضورها انها مميزة عن الاخريات وحتى قبل ان نبدأ الحوار كانت جلستها كلمات و بيان عن تجربتها و حنين قلبها و حزنه و راحته في آن واحد...
سألت الجموع عن وجود نازحات اذ ان قلي لم تتأثر جبالها بالدانات و لم تحظى ارضها بحامية تسكن المدرسة ولكن نصيبها من الحرب كان استقبال لنازحين مقاومين للموت اليوماتي فزادوا صلابة جبال" قلي" التي تطوق المكان.
ردت "أمان"..انا "نازحة" ...استاذنتها ان لم يكن فيها جرح لروحها ان تحكي لنا عن قصة مقاومتها الموت الى ان وصلت "قلي"..فوقفت أمان و توسطت الجموع و بدات تعبأ الجو بالترقب لسماع قصتها التي تجسد الانسانية و تصف معاناة النساء و الامهات منهن فقط لكونهن أمهات في اوقات "الحرب" الظالمة اهلها.
أمان هي داية تأذن بعد الله للمواليد بالخروج من ارحام مقاومة اخذت من النيل ليس فقط لونه الازرق ولكن الاصرار على الحياة حتى عندما كان الموت و وجعه في كل الخطوات و كل الطرقات.
قالت أمان " اليوم داك ما كنت عارفة بالضربة، جا راجل قال مرتو دايره تولد، شلت شنطتي و خليت عيالي في البيت و مشيت معاهو. اول ما وصلنا بيتو الضرب بدا... لقيت المرة بتتوجع ، لكن الراجل عندو عيال اتنين شالهم و قال طالع! قلت ليهو يا راجل ماشي وين مخليني مع مرتك في الظروف دي!؟ "
قال الرجل على لسان أمان " اتصرفي..انا مع العيال ما بنقعدو عشان نموتو كلنا".
أمان كان قلبها مع اطفالها و روحها تقاوم اصوات الرصاص و عقلها مع واجبها الذي يناديها ..فالمرأة تصارع المخاض بلا سند من زوج و في زفير صرخاتها التي لم نسمع صوتها كانت ذاكرتها بين ألم مولود و ألم طفلين لا تدري إن كان الزمان سيجمعها بهم بعد أن غادرو القرية خيفة الموت الى مكان غير معروف.
قررت أمان البقاء فكان المولود.. قالت أمان " بعد ما ولدت المره قلت احاول ارجع اشوف عيالي لقيت ٨ نسوان كلهم في التاسع و لقيتهم بس جمبي و ما عايزين يفكوني"..
يا لقلبك يا أمان...كيف كانت صرخات اطفالك و الخوف المزروع في اعينهم من غيابك ! ما شكل خوفهم من ان لا تضميهم مرة أخرى، من أن لا يشعروا بتسارع حليبك الدافئ نحوهم ليطمئنهم ان صوت الرصاص لامحال زائل وان الشمس لابد لها من الشروق..فحضن الأم لا مثيل له..
كيف تحمل يا أمان قلبك كل هذا !
قالت أمان " اخدت قراري وقررت اولد النسوان التمنية لكن كان لازم نطلعو من الحله دي..طلعنا و ماشين بالكرعين مافي وقوف الا المره خلاص تبقى على الولادة".
سالتها عن الم المخاض وانا امرأة اعرفه جيداً و اعرف ما يفعل في جنبات الجسد و الروح التى تسكن الجسد و اعرف الغصة التي تخنق القلب عندما يشتد الألم..ردت امان " يتوجعو بس و مافي كواريك لانو لو كوركو نحن في خطر !"
"ولدت التمنية نسوان في الخلا..كنت بس اول ما تولد الواحدة بلفو في طرف توبي واقول ليها يلا قومي و دمها دا يكب في الواطة لكن ما بنقدرو نقعدو !"
هكذا هن النساء في النيل الازرق..خضبن مساحات الهروب بخلاصتهن و ذدن الجبال ضخامة بعمق و عرض صرخاتهن المكتومة قصراً فزادت اوتاد السودان صلابة.
وهكذا كانت أمان اسم على مسمى...فلولاها لما كانت كل تلك القلوب تنبض. ندبة في قلبها مازالت رغم الزمان وصوت حكيها لازال مسكون بألم تلك الرحلة ولكن بريقها لم ولن تخفته الجروح.
فاطمة
ملحوظة: كل الاسامي هنا ما الاسامي الحقيقية و كل ما ورد كان بعد استئذان من أمان و وعد قطعته على من قابلت من النساء ان اكتب للعالمين عن تجاربهن و قصص مقاومتهن و مطالبهن فهي بائنة من الحكي.. وأولها ارضاً سلاح.