01:44 م
الأحد 18 أبريل 2021
إستثناء قانون الأحوال الشخصية تقنين للعنف تجاه النساء
قانونية.. تنتقد التنازلات التي ظلت القوى السياسية الداعمة للعلمانية تقدمها في مجال الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة
الخرطوم ملاذ عصام
جدل واسع ونقاشات حول البند (٢/ ٤) لمتعلق بقانون الأحوال الشخصية من إعلان المباديء الموقع بين الحركة الشعبية بقيادة الحلو وحكومة السودان بقيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في مارس2021، وأقر الإعلان بعلمانية الدولة لكنه في هذا البند إستثنى قانون الأحوال الشخصية وجعل مرجعيته هي الأديان والأعراف والتقاليد مما أثار إعتراض كثير من النساء فهن صاحبات نصيب الأسد من الأضرار التي يسببها قانون الأحوال الشخصية الحالي وقوانين الأحول الشخصية المبنية على الأعراف والمعتقدات والأديان عامة.
صمت وتجاهل
وأبدى عدد كبير من النسويات/ين غضبهن تجاه هذا البند الذي من المفترض أن يُعطي حقوق كاملة ويوفر مساحات أكبر من الحرية والعدالة والأمان، لكنه إستثنى النساء من تلك الحقوق بل سعى لمزيد من تقنين العنف تجاههن بإستخدام القوانين، وهذه ليست السابقة الأولى لحكومة الثورة التي قادتها النساء، ولكنها لم تفعل شيء تجاه قضاياهن غير الصمت والتجاهل ومزيد من العنف والكثير من الوعود التي لم نراها على أرض الواقع.
تمييز وإستثناء
وفي ذلك تحدثت القانونية ولاء صلاح في ورشة حول الإعلان ودولة المواطنة الدولة الحياد والقوانين العلمانية والنساء عن المآلات القانونية والسياسية الواقعة على النساء ووضحت بأن موقفها الشخصي كنسوية تقر بفصل الدين عن الدولة كجزء أساسي لإيجاد حلول جذرية تنتقد التنازلات التي ظلت القوى السياسية الداعمة للعلمانية تقدمها في مجال الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة وهي بدورها من أهم عوامل التمييز ضد النساء والحجة الأساسية للورقة تتلخص في إستثناء قوانين الأحوال الشخصية من تدخل الدولة في الدين فإذا إفترضنا أن الدولة ليس لها دين أو لن تتدخل في الدين فإستثناء قوانين الأحوال الشخصية يؤدي للمحافظة على علاقات القوة الحالية داخل الأسرة وهي أساساً علاقات غير متزنة ووضع النساء بها مختل جداً، وأكدت أن وضع النساء داخل الأسرة عامل مهم بل هو الأهم في تحديد وضع النساء في المجال العام بمعنى إن مستوى المساواة داخل الأسرة ينعكس بشكل مباشر في مشاركة النساء السياسية والإعتراف بدورهن الإقتصادي وبالتالي هذا الإستتثناء يبقي على ضعف مشاركة النساء سياسياً، عدم الإعتراف الكامل بدورهن الإقتصادي وضعف إمساكهن بأدوات الإنتاج فضلاً عن إستمرار العنف الموجه تجاههن، وهذا يعتبر إستثناء للنساء لأن غياب العدالة النوعية على مستوى الأسرة يعني غيابها على المستوى العام أو على أقل تقدير محدودية الإستفادة منها وحصرها على نساء ذوات إمتيازات إجتماعية وسياقات ثقافية مبنية على أساس أكثر عدالة بمعنى أن فصل الدين عن الدولة من المفترض أن يستفيد منه الجميع رجالاً ونساء في مجالات المشاركة السياسية، الحق في العمل دون تمييز وغيرها من الحقوق، لكن بهذا الوضع سوف تمتع بهذه الحقوق النساء اللائي يستطعن التواجد في المجال العام فقط، وليس لكل النساء القدرة على ذلك لأن المجال الخاص أو مساحة الأسرة بها تحديد لحركتهن ومجالات عملهن، وأوضحت ولاء أن هذا الإستثناء لايمكن قراءته بصورة منفصلة عن آداء الحكومة الإنتقالية بشكل عام فيما يتعلق بمسألة حقوق النساء والتمييز ضدهن والذي وصفته بالآداء شديد التواضع.
إعلانات سابقة
وتواصل قائلة هذا ليس أول إعلان يقر بضرورة فصل الدين عن الدولة، ومن إعلانات المباديء التي سبقته و تم التوقيع عليها تاريخياً
إعلان مبادرة الإيقاد في العام ١٩٩٤ وهو أول إعلان يقُر بفصل الدين عن الدولة ووقعت عليه الحركة الشعبية ورياك مشار، كما إنضم إليه نظام البشير في عام ١٩٩٧ ووقع عليه بدون تحفظات وبدون تقييد في النص، وينص البند 2/7 في هذا الميثاق على وجوب أن تقوم في السودان دولة ديمقراطية علمانية تكفل حرية الإعتقاد والعبادة لكل المواطنيين السودانيين ووجرب فصل الدين عن الدولة، كما يجيز للدين والأعراف أن تكون أساساً لقوانين الأحوال الشخصية، ومن الإعلانات أيضاً مقررات أسمرا للقضايا المصيرية 1995 حيث قال فيها التجمع الوطني الديمقراطي في البند الخامس يلتزم التجمع بصيانة كرامة المرأة السودانية، و يؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المقررة في العهود والمواثيق الدولية بما لا يتعارض مع الأديان، وأيضاً قبل الإعلان مابين البرهان والحلو كان هناك إعلان مابين رئيس مجلس الوزراء حمدوك والحلو، ونجد أن الإعلان مابين حمدوك والحلو ولأول مرة في تاريخ السودان خلا من إستثناء الأحوال الشخصية، إذ يقول النص في البند الخامس "يجب إقامة دولة ديمقراطية في السودان ولكي يصبح السودان بلد ديمقراطي حيث يتم تكريس حقوق جميع المواطنين يجب أن يقوم الدستور على مبدأ فصل الدين عن الدولة في غياب هذا المبدأ يجب إحترام حق تقرير المصير، حرية المعتقد، وممارسة العبادة حق مكفول لجميع المواطنين السودانيين، كما لايجوز للدولة تعيين دين رسمي ولايجوز لها التمييز بين المواطنين على أساس دينهم". ولكن نجد أن هذه الصياغة تغيرت في الإعلان الحالي و دخل في التفاوض تنازل أساسي حيث ينص البند (٤/٢) على" يجب أن تستند قوانين الأحوال الشخصية على الدين والعرف والمعتقدات بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية"
تعارض
وتكمن المشكلة في نفقطتين أولاً فكرة إسناد قانون الأحوال الشخصية على الدين وتجاربنا معه، وثانياً هل يمكن أن نزيل هذا التعارض مابين الحقوق الأساسية وإستناد الأحوال الشخصية على الشريعة الإسلامية؟
والإعلان لم يفصل في انه ماهي الحقوق الأساسية أو أي شرعية يقصد؟
ومن المُلاحظ ان لغة الإعلان الأخير أكثر إلزاماً في الإستناد قوانين الأحوال على الدين أكثر منه في الإعلانات السابقة حيث أن هذا يوجب الإستناد ولنا أن نتسآءل إذا كان إعلان جوبا تقدم في إتجاه حقوق النساء بما فيها الحقوق السياسية والمدنية؟ أم لا؟
وواصلت أنا أرى أن هناك تراجع حتى في الإستتثناء نفسه،
ولو سألنا لماذا تستثنى الأحوال الشخصية يستخدموا حجتين أساسيتين في ذلك الإستتثناء الأولى ان مسائل الأسرة هي مسائل خاصة بالتالي يجب فصلها عن الإتفاقات السياسية المتعلقة بفصل الدين عن الدولة بمعنى أنه يمكن فصل الدين في كل المجالات ماعدا مجال الأسرة بحسب رؤيتهم، والثانية هي ان الخوض في مسألة الحقوق الخاصة والأسرة ووضع النساء داخل الأسرة يثير حفيظة المجتمع صاحب الأغلبية المحافظة وبالتالي يجعل بقية الحقوق الأخرى المُكتسبة من فصل الدين عن الدولة في خطر الرفض المطلق إذا تم تضمين الأحوال الشخصية ولكن يبقى السؤال المهم هل الأحوال الشخصية أمر خاص ام عام؟ بمعنى هل هي قضايا شخصية في الأساس أم سياسية؟
الفرضية التي تقول أن شؤون الأسرة هي أمور خاصة لا تأثير لها على قضايا السياسة والاقتصاد القومي أثبتت عدم صحتها في الواقع، لأن قوانين الأحوال الشخصية وعلاقات القوة في الأسرة هي من أكبر المحددات لقدرات النساء على المساهمة السياسية والاجتماعية وحقهن في الحياة والأمان الشخصي، وبالتالي هي في عظم عملية وضع السياسات والتفكير في أوضاع النساء في المجال العام.
القوامة والولاية
وأضافت ولاء قائلة: بدون الدخول في تفاصيل خلافية حول المذاهب وتفصيل آراء الفقهاء حول مسائل تفصيلية نجد أن مسائل الأسرة في الفقه الإسلامي معتمدة على مفهومين منفصلين عن بعض وهم القوامةِ والولاية والقوامة تعني بشكل عام السلطة مقابل المسؤولية المالية! والولاية هي ولاية الذكر الأقرب للعصب على نساء في الأسرة، وبناءاً على قوامة الرجال تأتي التشريعات المتعلقة بالولاية في مسائل التشريع المرتبطة بالزواج، الطلاق، الميراث وغيرها.
والقوامة والولاية هما الأساس التشريعي الذي بني عليه ومازال يبنى عليه عدم المساواة بسبب النوع الاجتماعي في الأسرة، ونجد خلف هذا المفهوم فكرتين بسيطتين جداً نجد أنهم غير موجودات فقط في فكرة الولاية والقوامة فقط في الشريعة الإسلامية بل موجودة أيضاً في الدين الاجتماعي مسألة تقسيم الأدوار الإجتماعية في المجتمع بشكل عام والفكرة ببساطة ان الرجال أقوياء وبالتالي تلقى عليهم مسؤولية الحماية والإعالة، اما النساء ضعيفات فعليهم واجب الطاعة مقابل تمتعهن بالحماية، وبالنظر لأغلب العادات والتقاليد السودانية نجد أن هذا أيضاً الأساس الذي تقوم عليه أغلب الأعراف المتعلقة بالعلاقات المبنية على النوع، والاختلاف بينها هو اختلاف درجة وليس أساس فالأساس واحد، ومالم نحن نتعامل مع هذا الأساس فسيظل التأخر والتقدم هو في المستوى وليس في جذر الموضوع، ولو أننا نتكلم عن أن اعلان المباديء كخطوة للنظر إلى جذور الأزمة يبقى بالضرورة اننا فقدنا قدرة النظر لجذور الأزمة. وحتى مفاهيم القوامة والولاية نفسها لايوجد عليها إتفاق بالكامل، بل نجد فقيهات وفقهاء تحدوا هذه المفاهيم لكن من النادر ان يتم صياغة قوانين الأسرة بناءاً على هذه الآراء، وقالت نحن عندما نتكلم نعني الشريعة الإسلامية التقليدية.
الطاعة
وبالنظر لأوضاع النساء بصورة كلية نجد أنه و بالرغم من التدهور المريع في مسائل الزواج والطلاق والحضانة فالإختلاف بين القوانين إختلاف درجة وكلها مبنية على ذات الأساس، ونجد الطاعة واحدة من أهم معيقات النساء وعمل النساء في السودان تاريخياً، فضلاً عن المسائل متعلقة بإثبات النسب والطلاق وغيره.
وفي قانون الأحوال الشخصية الحالي نجد سن الزواج محددة بعشر سنوات، وينفرد الزوج بالطلاق، ولاتتزوج المرأة دون إذن وليها، كما لا يُشترط حضور الزوجة للعقد، وكل هذا يدعم ثقافات وعادات تُعيق ظهور النساء للعقد في أغلب المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأيضاً يملك الزوج حق حرمان الزوجة من العمل والحركة فيما عدا إستثناءات بسيطة نص عليها القانون و يتمتع الزوج أيضاً بحضانة الأطفال الذكور من سن السابعة والإناث من التاسعة، ولم يمتنع القانون عن تجريم العنف المنزلي فقط بل جعل الطلاق بسببه (الطلاق الضرر) أمر صعب الإثبات و الإجراء، فإذا جاءت مرأة أمام المحكمة اليوم رفعت قضية طلاق بالضرر فهي مطالبة بإثبات العنف الذي تتعرض له بطرق الإثبات العادية الشهود وشهادات الشهرة والتسامع، ولو لم تثبت ذلك تُلغى القضية وترجع بعد ٣شهور فيعين القاضي حكمين من أهلها وأهله يتداولوا الموضوع فيرجعوا للقاضي بقرارهم، ولو اختلف الحاكمين يعين لهم ثالث، وإلى ذلك الوقت تكون انتهى الموضوع وبسبب العنف المنزلي تأخذ المرأة سنتين أو ثلاثة ليُحكم لها، وترث النساء نصف ميراث الذكور، وإذا تحدثنا عن المساواة في السلطة والثروة لا بد أن نتحدث في هذا الموضوع
غياب العدالة
ودائماً نجد أن لغياب العدالة المبنية على النوع الأثر المباشر على أوضاع النساء كما نجد أن معظم أشكال العنف الموجه ضد النساء مرتبط بالعنف في المجال الخاص أكتر من المجال العام، بمعنى ان ختان الإناث،
زواج الطفلات، الزواج الإجباري، العنف المنزلي،تحديد حركة النساء، وحقهن في العمل
وأيضاً تضع التشريعات والأعراف القائمة الخاصة بالميراث وتوزيع وإمتلاك الأراضي الزراعية النساء بعيداً عن القدرة على الوصول لأدوات الإنتاج، وهذا يثير الكثير من التساؤلات منها كيف توزع الأراضي الزراعية في السودان؟ وأي أرض تعطى للنساء؟ وأي سواقي؟
فالولاية تتحكم في خروج النساء للعمل وفي مجالات العمل المسموح لهن بها، وكذلك قرارهن في أن يكن مشاركات سياسياً ام لا؟
علاقات غير متوازنة
فعلاقات القوى وتوزيع الإمتيازات داخل الأسرة من أهم عوامل العنف ضد النساء خارج الأسرة، لأن العنف يتربى داخل بيت وعلى علاقات قوى وإمتيازات غير متوازنة،
لذلك مخاطبة جذور الأزمة في السودان لايمكن أن تتم بدون مخاطبة العنف ضد النساء والتمييز ضدهن،
وإعلان المباديء أعطى حقوق متساوية للرجال لكن بإستثناءه للأحوال الشخصية حصر الفائدة في أقلية من النساء ، فمن لها حق العمل دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو النوع سوف تستمتع بهذه الحقوق وهذه أقلية .
وختاماً الإستتثناء يعني محافظة الرجال على امتيازاتهم إضافة للتمتع الكامل بمسألة العلمانية وترك النساء في البيوت يقهرن ويضربن.
الخلاصة
ويبقى السؤال هل النساء والحقوقيات/ين في حاجة إلى ثورة جديدة؟ وإلى متى ستستمر حكومة الثورة في قمع النساء ولماذا تنازل الحلو فيما يخص النساء فقط؟ وأين النساء المشاركات في السلطة من كل ذلك؟ وإلى متى ستبقى السلطات صامتة تجاه العنف المبني على الإجتماعي وتدعمه؟