بقلم انعام النور
أيها الغريب
على قارعة الطريق التقيت بأمك ، وقد ثقل عليها أمرك، وفاض بها همك، فخرجت تتسول أحسان الناس لأجلك، تذيبها الشمس ويدوي صفير الريح من ثقب غير مرئي فيها، أحدثه فقدك،
وجهها المخفي خلف النقاب الرث حفر فيه الدمع شروخ عميقة لا ترمم ، وعينيها كُرتان زُجاجيتان تكاد الأملاح المتراكمة من كُثر فيضهما تحجب عنها ملامح هذا العالم.
رأيتها مكسورة بك، لا تعرف كيف تتسول الإحسان، وكيف تشرح للناس حالك، كيف تخبرهم عنك ومن أنت ولما أنت وكيف أنت، لا تعرف أمك كيف تنقذك من البرد أو كيف تخبئك في جوف الأرض.
أيها الغريب..
أمك متعبة بدونك، أمك رثة وممزقة بخسارتك،
فماحالك أنت؟،
أحقاً البرد يوجعك كما تخشى هي عليك؟،
أحقاً ضقت بلحمك الذي بدأ يتعفن؟
أاسود وجهك،
وانكمش جلدك،
وتيبس جسدك؟
أيحدث ما تخافه أمك من تتعذب روحك؛
وجسدك محتجزٌ في قالب ثلج؛ ينتظرها أن تدفع دية الصندوق الذي أثقله حملك؟.
على قارعة الطريق كنت أنت أيضاً، تحملك أمك، وجعاً غائرا في صدرها المثقوب، و خسارات لا تنتهي بين يديها، تبدأ بسطور تؤرخ فاجعتها بك وتنتهي بصورة توشم الذاكرة بحزن لا ينطفئ ويذوي كما أنطفأت وذويت أنت،
في تلك الصورة رأيتك تعانق الأرض، أو ربما تقبلها، تلك التي شربت كل قطرة حياة فيك، تلك التي يتوق لها الآن جسدك، رأيتك تلتصق بها، لعلهم لا ينتزعوك عنها، لعلهم يوسعون لك مكان لتتعمق أكثر فيها، أو لعلهم لا يخطفونك ويغلقون عليك في إحدى الصناديق الباردة ليفاوضوا أمك على ما لا تملكه كي تفتدي به جسدك قبل أن يتعفن؛
أمك تريد أن تزرعك في ذات الأرض، فمازلت شاباً جداً ربما تنمو فيها مرة أخرى، وفي أعناق السنابل تراك، وفي رائحة التراب المبلل تشتم ريحك.
رأيت ثقباً في جانب صدرك تسللت منه روحك، واستطاعت الكاميرات التقاطه، بعكس ذاك الذي بقلب أمك لا يمكن الآلات الجامدة رصده.
أيها الغريب..
أنا مثل أمك بوجع بكيتك، ربما لست هي لكني شعرت بوجعها، و مرة أخرى بكيت بدل عنك ربما لست أنت لكني أشعر بوحشتك بغربتك وعذابك، ولمرات كُثر بكيت العالم بعدك، هل كل من فيه أما سيكون أنت أو قاتلك، أو أنا وأشخاص آخرين لا نملك إنصافك؟.