المرس طعام كثر صنعه في العاصمة زمان، وتحديدا في إحياء ام درمان الشعبية زمان التركية والمهدية وما بعدها من اجزاء في عاصمة تلك الفترة. وهو عبارة عن لوبية "عفن" بيضاء، مخلوطة بعصارة دقيق من قصب محروق يسميها اهل ذاك الزمان" ويكاب" ! ،، يضاف إليه قطع صغيرة من مصارين خروف مشرمط وناشف، يسمونها أحيانا ملاح " ويكاب" مع اختلاف الوصفة!. والله أعلم!.
ايا كانت طريقة وتركيب صنعتها، فهي مما كان يعتبر وجبتنا المعتبرة والذيذة في بيت امنا " فاطنة العجيمي" في حلتنا بحي الشهداء في ام درمان.
هناك من يسميه حي الركابية وهناك من يقول له شارع السيد علي، باعتباره زقاق ملتوي ومتعرج، يبدأ من عند الشريط الدكاكيني المصطف من عند شرق المحطة الوسطى ام درمان، لا عند الشارع الموازي للشارع الموسوم "بالطريق الشاقي الترام"!. وهو الذي عناه "خليل الأمة وفرحها"، حينما وصف جزء من شوارع مدينته الاثرة!.
يتدلى طريق حلتنا لحدي بيت "عبد الله بك خليل"، عند شارع الزلط الماشي من مستشفى ام درمان لمكي، لود نوباوي،، وهكذا حتى يوديك إما للثورة بالوادي، أو بالنص. وهو الموسوم قديما بشارع الخليفة عند اهالينا الزمان!.
وأما اسم حينا، فإنه يأخذ أحيانا عند الأديب ابن الحي نفسه علي المك اسم " زقاق" ،، كأي من "الزقاقات المعرفة بالألف واللام" كما سماها عليه الرحمة باعتباره أحد اعلام سكان المنطقة ديك بمعالمها واخاديدها!.
خالتنا فاطنة سكنت إذن هذا الحي. وشكلت بمنزلها ومكانتها و"حنيتها" أحد معالمه، وما كانت " الحنية" التي نشير إليها بغاءبة عنا، منذ أن كانت ملامحها تكتسي بزغب حواضرنا، إن انطبقت التسمية علينا بالفعل!، ثم تطورنا، منذ حب بناتنا وأخواتنا في الحي بقفافهن المكتنزة بالدوم والقنقليز والنبق والمدمس جنبا لجنب مع تراتر مترارات القطن وخيوطها تلك البالغة الدقة!. مما يعتبر لديها ولجيلها ومجايلي زمانها بمثابة المعادل الموضوعي والتاريخي لمصانع نسيج هذا الزمان إن تطور ذاك الشيء وأصبح له مستقبل. إن لم تقض عليه " مفاهيم الحركة الإسلامية في كيفية تطوير اقتصاد السودان بفقه الحرمنة"!.
على كل أصبحنا شفعا يفعا وصبية وصبايا وشبابا وفتية ثم رجالا ونساء، ندباعتبارنا نحن جماعة "كنا" في حي متواضع بأحد إحياء ام درمان " الجماهيرية الشعبية". وما يزال طعم اكلها وروائحه الزكية يطوف بمخيلتنا!.
في بيتها أكلنا " المرس" و " وام تكشو" و " القاورمة" و" البصارة" و " الشرموط بألوانه الثلاث " الابيض و الروباوي والأحمر التقلية والرمادي النعيمية"!.
وعندها تجمعنا كصغار في الحي ولهطنا " فتة الرحمتات" في ايام جمع رمضان اليتيمة، واستمتعنا.
بقلل البلح المبلول بطيب المياه العذبة والمخلوط أحيانا بالزبيب الاحمر القاني وبالحبب وبالتين والزيتون" المعقود بعضه فوق بعض. وبطول سنين!.
ناتيها كنا - للخالة "فاطنة العجيمي" - زرافات ووحدانا، فنتجمع في صحن دارها مع أهل بيتها، سيما " علي" شقيقها الموظف الحكومي المرموق والذي كنا نستلطف علاقتنا معه، ويستلطفنا كاجمل ابن بار باهل بيته وصديق رؤوف بصغار حيه!.
كان يجلب لنا بتوصية من شقيقته فاطنة العاب الرفاهية والبهجة الكبرى من متاجر "الطوخي وشختك بختك" كمحلات كانت قد سادت ثم بادت بسوق ام درمان زمان!
"فاطمة العجيمي" امرأة من مروءة ناس ام درمان واهل السودان زمان بكل سحناتهم وملامح وتفاصيل أصول الأهل فيها.
"فاطنة" امرأة وخالة وعمة وحبوبة وحيوية في ازمنه " الهجير والحوبة"!.
هي الملاذ وهي العزاز وهي الرزاز في جدب كل الفصول سواء ممطرة كانت، او دون الهطول!.. لله درها ،، ولله مهرها ،، يوم اسمها ،، شبابها وشيبها وعرسها المتجدد وهي فاطنتنا في ازمنة البقاء والرحيل!. عافاها الله وسلمها من كل شر مستطير. فعندما "تلفتنا" ونحن نرنو لطقوس "ام درمان"، فإذا بها تفاجئنا بان لفت جمعنا "بالحريرة والضريرة النادرة الوجود"!. وقطعا كان ذلك عند حاجتنا ،، فما بالكم "بالحنوط" انساتي سيداتي سادتي!.
في كل الاحوال يوفر لنا تواجده ببيتها " أصدق جيرة"!.
وحسبنا الله ونعم الوكيل!.
حدث وان اتفقنا سويا عزيزتنا هادية بان أبعث لها برسالة حميمة. وحالت ظروف الزحمة ان اوفي بوعدي...
الآن ارجو الا اكون قد تأخرت نحوا يا خية!.
قبليها لنا يا "هادية حسب الله" ،، وحسبنا الله ونعم الوكيل أيضا في كل الأحوال..