جولة لـ "اليوم التالي" تكشف أوضاعاً مأساوية لمصابي الثورة
بعد مرور أكثر من عامين على ثورة ديسمبر، يأمل صالح (24) عاماً أن يستعيد حركته ويمارس حياته الطبيعية بعد إصابة معقدة في النخاع الشوكي يوم مجزرة فض الاعتصام، قادت إلى شلل.
بينما كان صالح يحاول صد القوات التي وصلت محيط الاعتصام في ذلك الفجر الدامي، أصابته رصاصة من الخلف، سقط أرضاً في الحال، بعدها وجد نفسه في مستشفى المعلم القريب من قيادة الجيش، وعلى وجه السرعة أُجريت له عملية جراحية. يقول صالح وهو من سكان حي مايو؛ جنوبي الخرطوم، (منذ لحظة سقوطي، شعرت بثقل شديد في جسدي) لكنه لم يدرك وقتها أنه سيكون عاجزاً عن الحركة وأنه سينتظر طويلاً. الشاب الذي كان يدرس ويعمل في آن واحد تقبل إصابته برحابة صدر بينة.
في منزل صغير بحي بُري مستأجر لأغراض علاج مصابي وجرحى ثورة ديسمبر، قابلنا الشاب مستلقياً على السرير بابتسامة مدهشة وهو يأمل أن تكتمل جهود أصدقائه المصابين سابقاً والذين شكلوا منظمة لمصابي وجرحى ديسمبر ووهبوا وقتهم تطوعاً لخدمة بقية المصابين الذين لم يحظوا بعلاج حتى اليوم، يشرح صالح في مقابلة مع "اليوم التالي" لماذا بعد عامين وأكثر لا يزال ينتظر العلاج، وخلاصة ما قاله إنه "فقط ينتظر".
في حي الأزيرقاب؛ شمال بحري، يرقد أصغر مصابي النخاع الشوكي. يوسف مجدي (19) عاماً الذي أصيب بحادث سير أثناء تصويره مواكب الانتصار في نهار الحادي عشر من أبريل 2019. أبدى يوسف تذمراً واضحاً من طول الانتظار، تروي غادة؛ والدة يوسف في مقابلة مع (اليوم التالي) رحلة علاج خاسرة، خاضتها العام الماضي، فبعد تجميع مبلغ مقدر من المال نصحها أحد الأصدقاء بأن تبدأ رحلتها إلى القاهرة ريثما يكتمل المبلغ المطلوب من الخيرين، ومنها تغادر إلى أوكرانيا، سألناها لماذا أوكرانيا، تقول والدة يوسف إنها تواصلت عبر أحد أقربائها مع طبيب أوكراني مختص في عمليات النخاع الشوكي الدقيقة، الطبيب اطلع على تقارير الفتى النحيل ومنحهم أملاً في العلاج، لكن تكلفة العملية البالغة (15) ألف دولار حالت دون ذلك، فعادت أسرة يوسف من القاهرة حينما لم يكتمل المبلغ. وبحسب المكتب الطبي للمنظمة تتراوح تكلفة كل عملية ما بين (15 - 21) ألف دولار.
طال الانتظار ولا زال الأمل.
وفقاً للأسرة، حدث تواصل مع معز عبد الوهاب؛ مستشار وزير شؤون رئاسة الوزراء، خالد عمر ووعدهم بدفع المبلغ، وعلى هذا الوعد، تحركت الأسرة لاستخراج أذونات الدخول إلى أوكرانيا والتي هي قيد الإجراء، بينما لم يطرأ جديد من جانب مكتب رئيس الوزراء.
صالح ويوسف، ضمن (65) إصابة دائمة، تنتظر العلاج بالخارج بينها (21) حالة شلل بسبب الإصابة في النخاع الشوكي، ووفقاً لتصنيف المنظمة فإن الإصابات الدائمة هي (بتر أطراف، فقدان عيون وشلل) وتتراوح أعمار المصابين بين (17 - 31) عاماً، يقول مصطفى خليل، مسؤول المكتب الطبي للمنظمة، إن هناك (62) حالة جاهزة للسفر وفق تقارير طبية تنتظر فقط الحكومة لدفع التكاليف، وبالنسبة لمصطفى الذي أُصيب في وقت سابق وخضع للعلاج على نفقته الخاصة يعتقد أن قضية المصابين لا يشعر بها إلا من خاض تجربة الإصابة، ووجه انتقادات شديدة للحكومة لتماطلها في علاج المصابين، وشكل مجلس الوزراء في وقت سابق لجنة لعلاج مصابي وجرحى الثورة، لكن للمنظمة رأي صريح في أداء اللجنة التي لم تحقق أي خطوات في هذا الاتجاه وفقاً لخليل.
ودافع وزير شوؤن الرئاسة قبل أيام عن الخطوات التي تقوم بها الحكومة تجاه قضية علاج المصابين، وعقد بعدها اجتماعاً حضره أعضاء المنظمة، وانتهى بتشكيل لجان لإنجاز ملف السفر بالخارج، لكن بحسب المنظمة لا جديد يُذكر.
بلغ عدد المصابين في ثورة ديسمبر منذ بدء الاحتجاجات (4.200) مصاب، منهم (970) مصاب يوم فض الاعتصام، بحسب إحصائيات المنظمة، ولا تزال المنظمة تستقبل بعض الحالات التي تعرض بعضها لمضاعفات جراء عمليات سابقة.
(اليوم التالي) قابلت خلال جولتها د. سعد النور، وهو نائب اختصاصي جراحة عظام ومتابع لملف مصابي الثورة الذي قال إنهم سلموا مجلس الوزراء تصوراً شاملاً لآلية لعلاج المصابين مثلما حدث في تونس بعد الثورة، على سبيل المثال، حتى لا يصبح الأمر خاضعاً لتطوع الأصدقاء والمتعاطفين، لأن قضية العلاج تحتاج إدارة بعناية ودراية تامة، فالمريض بحاجة لمتابعة دائمة وفحوصات دورية، وخدمة تمريض متخصصة لكل حالة، هذه الاحتياجات لن تلبيها إلا آلية متخصصة، وفقاً لسعد النور.
سلم المتطوعون كل المعلومات والبيانات لمجلس الوزراء بما فيها قوائم الحالات النشطة التي تتلقى العلاج والتقارير الطبية، لكن دون جدوى بحسب د.سعد الذي كان عضواً في اللجنة الحكومية واعتذر مسبباً اعتذاره بعبارة أن اللجنة تنتهج "تجريب المجرب".
من يتحمل التكاليف؟
بدأ ملف المصابين والجرحى ينشط بمبادرة "حاضرين" التي يقودها الناشط الطوعي؛ ناظم سراج، وكانت التكاليف تغطيها تبرعات السودانيين بالخارج والداخل وبعض الخيرين، بعدها سلمت مبادرة "حاضرين" الملف لمنظمة مصابي وجرحى الثورة والتي واصلت العمل بذات الطريقة، وفي الأثناء أعلنت الحكومة عن لجنة لعلاج المصابين والجرحى، تقول المنظمة على لسان أحد نشطائها؛ رامي، إن المبلغ الوحيد الذي تلقته من الحكومة، كان بخطاب من مجلس السيادة إلى ديوان الزكاة، حيث تكفل الديوان بدفع مبلغ (25) مليوناً، تسلمتها المنظمة في يناير الماضي، حيث تم صرفها في بنود (حالات تحت العلاج والعجز النسبي، علاج خارجي لبعض الحالات، سكن مصابين، نثريات للمصابين، وصيانة مقرات) بحسب ما أفاد رامي. خصص مجلس الوزراء سكناً لبعض الحالات مع تخصيص وجبات كل فترة، تصل أحياناً وأحياناً لا تصل بسبب تكاليف الحركة لدى المصابين بحسب ما قال المصاب؛ صالح.
لا يزال التواصل مستمراً بين المنظمة ولجنة مجلس الوزراء وبعض الأجسام التي تشكلت مؤخراً لذات الملف، والانتظار سيد الموقف.